كل شيء يبدأ من البداية، إذا نظرتم إلى الطفل الصغير في أولى سنوات عمره ستجدون مخلوقا فضوليّا، ممتلئا بحب الاكتشاف ولديه دافعيّة داخليّة طبيعية. كل شيء يثير اهتمامه ولديه رغبة كبيرة في المشاركة في أي شيء: ابتداء من حمل المشتريات إلى ترتيب الألعاب، ومن إعداد طاولة السفرة إلى فرز الغسيل، كل شيء يسير بيسر. إذا كان لديكم أطفالا كبارا وصغارا في المنزل، فلاحظوا أنّ الكبار يجلسون (مقطبين) أمام واجباتهم، بينما يسعد الأطفال الصغار عندما تناولهم "كرّاسة عمل" كي يمروا بتجربة التعلّم. ما زالت لديهم الرغبة.
بمرور الوقت تتغيّر الأمور، نفس الأطفال الذين كانوا يرغبون جدا في عمل الأشياء لم يعودوا يرغبون بذلك. نفس الأطفال الذين كانوا يقفزون من على الأريكة نحونا لمساعدتنا حتى عندما لا نطلب منهم، تحوّلوا إلى أشخاص لا يقومون بشيء دون أن ندفعهم إلى ذلك.
وعندها نبدأ باستخدام جميع الحيل الموجودة في الكتاب (وليس في الكتاب الصحيح): نرشوهم، نعرض المكافآت، نحاول بصبر وبعد ذلك بنفاذ صبر، نفعل من أجلهم، نتوسّل، نعاود الطلب، وفي النهاية عندما نشعر أن لا شيء يحرّك فيهم ساكنا ولن يجبرهم على فعل أيّ شيء بأنفسهم، نهدّدهم بالعقاب، وأحيانا نطبقه، وأحيانا لا. بطريقة أو بأخرى، لا توجد دافعيّة داخليّة لكن هناك بالتأكيد آباء وأطفال منهكون وعلاقة مشحونة حول ما هو رغبة في القلب على الأقل، ومن المفروض أن يكون ممارسة حياة أساسيّة يمكن لأيّ طفل أن يقوم بها دون تدخّل الوالدين. لكن كيف نصل إلى هذه النقطة؟
لاحظوا: هذه واجباتهم المدرسيّة
أكثر مكان معرّض للانفجار يتعلّق بنقص الدافعيّة وتدور حوله الكثير جدا من الجدالات والاحتكاكات، هو الواجبات المدرسيّة للأطفال. يرغب الأهل في مساعدة الأطفال على أن تكون لديهم الرغبة، لكنهم في الواقع يجعلونهم يفقدون حب التعلّم والرغبة في تحمّل مسؤوليّة أمر هو في الأصل يخصّهم (واجباتهم المدرسيّة). هل ترغبون في مساعدة الأطفال؟ شجعوهم على حل واجباتهم المدرسيّة بأنفسهم، اعرضوا عليهم المساعدة (لكن لا تفرضوا أنفسكم عليهم) قولوا كلمة طيبة حول أيّ تعاون واسمحوا لهم (دون قلق من جانبكم) أن يجربوا أيضا ثمن اختيارهم عدم القيام بالواجبات المدرسيّة.
الشعور بالنجاح
أفضل وأهم مكافأة للأطفال هي المحاولة والشعور بالنجاح، ذاك الشعور الجميل الذي نعرفه جيدا بعد إتمام مهمة كبيرة (أو صغيرة). لا تركّزوا على نتائج مثاليّة، ليس هذا المهم. تحصل النتائج الجيدة عندما يشعر الأطفال بأنهم جيدون بدرجة كافية في الطريق. شجعوهم على كل نيّة، كل تجربة لها أهميتها، اشحذوا حواسكم وابحثوا عن الصفات الجيّدة لديهم، تلك التي بداخلهم والتي ستشعل بداخلهم شرارة الدافعيّة.
هل يجلس طفلكم على شوك؟ هو في العادة لا يجلس بشكل متواصل على الواجبات المدرسيّة، لكنه اليوم حاول بالفعل؟ ربما بكى؟ كان صعبا عليه بشكل لا يُطاق لكنه فعل؟ ولو حتى جزء فقط؟ بدلا من توبيخه وقولكم له "أنت عامل منها قصة، خسارة" قولوا لهم أنّكم فخورون به على هذا الجهد، وأنكم تعرفون أنّه واجه صعوبة، لكنه تعامل مع الأمر بصورة جيدة (البكاء هو أيضا تعامل) وأنّكم فخورون أنّ لديكم طفلا يعرف كيف يقوم بالأشياء ويبذل المجهود في الأمور التي يجد صعوبة فيها. هذا هو بالضبط ما سوف يشعل لديه فتيل الدافعيّة الداخليّة لعمل ذلك مرة أخرى في الغد. لا يحتاج الأطفال إلى مكافآت، بل يحتاجون إلى الشعور بأنّ لديهم القدرة، وهذه مكافأة تخصّهم وستبقى معهم مدى الحياة. قد تستغرق هذه المكافأة الكثير من الوقت لغرسها لكنها الأكثر قيمة في العالم.
فكروا بهذا لحظة:
ماذا يفكّر طفلكم عن نفسه؟
تعطي أفكاره لمحة عن الصورة الذاتيّة لديه. اسألوه: "أيّ نوع من الأطفال أنت؟" وستكتشفون عالما.
بدلا من الصراع مع الأطفال ومحاولة جعلهم يتصرفون حسب رأيكم، كرّسوا الجهد في تنمية علاقات صحيّة تعاونيّة، واتباع نهج بحيث تكون كل صعوبة تواجه الطفل أو العائلة بمثابة تحد يمكن أن تتغلّب عليه العائلة معا وبجهود مشتركة. يزيد التعاون من الدافعيّة. السيطرة والقوة تفعل العكس تماما. إليكم 3 نصائح أخرى من الجدير تبنيها:
دعوهم ينجحون
انظروا إلى الأطفال الصغار ولاحظوا إلى أي مدى كل شيء يثير لديهم حب الاستطلاع والدافعيّة للمحاولة والقيام بالأشياء بأنفسهم حتى عندما تكون المهمة "أكبر منهم" – هم فقط يعملون ويجرّبون (أحيانا يعتركون معنا على حق المحاولة). عندما يتقدّم الأطفال في السن ونمنعهم من العمل، ونقوم بالعمل بدلا منهم أو "نوبخهم" عندما لا ينجحون، فستنطفئ لديهم هذه الدافعيّة. هل ترغبون في وضع أساس جيّد للدافعيّة؟ دعوهم يعملون.
لا تخشوا الثمن
نحن نخشى أن يتخذ أطفالنا قرارات خاطئة، لكننا نجعلهم يدفعون ثمنا باهظا– عندما نُشعِرهم بعدم الثقة بقدرتهم على التفكير بمفردهم، اتخاذ القرارات وتحمّل ثمن اختياراتهم بأنفسهم. وجود طفل يفكّر بنفسه، يختار، يقرّر ويخطئ (ثم يتعلّم من الخطأ)، أفضل من وجود والد يحاول أن يوفّر على طفله الطريق لمجرد وجود احتمال بسيط أن يتأذى. أفدح ثمن هو فقدان الاهتمام لدى الأطفال.
تخلّوا عن العصا وعن الجزرة أيضا
عندما نضغط، ندفع ونستخدم في أغلب الأحيان أسلوب "العقوبة والمكافأة" لحملهم على أداء المهام، فإنّنا نصنع محركا خارجيّا لأيّ عمل يقومون به ونلغي المحرّك الداخليّ لديهم. الأطفال هم أكفأ المخلوقات في العالم- فهم يدركون أنّه إذا كانت المسؤوليّة والدافعيّة للقيام بالعمل "تقع" عند الوالدين، فلا يحتاجون إلى القيام به بأنفسهم. بهذه الطريقة لن تنشأ لديهم الدافعيّة الداخليّة للعمل، أو حتى المحاولة.
الدليل العمليّ
بعدما فهمنا قليلا أو كثيرا ما الذي لا ينبغي القيام به، هيا نتوقف ونفحص معكم أنتم الأهل عدد من المواقف – اختاروا الإجابة التي تمثّل سلوككم ولاحظوا كيف تصرّف الآباء الآخرون. ستجدون الحل الأمثل في الإجابات الموضحة التي أعددناها.
إذا وصلتم إلى هنا فهذا يدل على أنّ لديكم دافعيّة كبيرة للتعلّم. إليكم تلخيص موجز للنقاط التي توسعنا في شرحها أعلاه والتي ستساعدكم في الأعمال اليوميّة:
- حافظوا على جذوتهم الطبيعيّة: يولد الأطفال مع الكثير من الدافعيّة، احرصوا على عدم ضياعها
- لا تحرموهم – دعوهم يحاولون، فإنّ شعور النجاح أو التعامل هو ما يحرّكهم
- تجنّبوا الأحكام – ابحثوا عن النقاط الجيّدة وسلّطوا الضوء عليها
- شجّعوهم – أعطوهم كلمة طيبة حتى في حالات النجاح الصغيرة فهي ستمنحهم القوة للاستمرار
- كونوا معهم للمساعدة – هل ترفض طفلتك الترتيب؟ ابدأ بالترتيب معها وبالتعاون
- تخلوا عن أسلوب العصا والجزرة: العقوبة أو المكافأة هي محرّك دافعيّة خارجيّ يتآكل بمرور الوقت
- لا تعملوا بدلا عنهم – حتى ولو فشلوا، دعوهم يحاولون.
- اعملوا معا: يزيد التعاون من الدافعيّة، السيطرة والقوة تفعل العكس
في الختام، الدافعيّة هي قوة داخليّة تولد مع الشخص، دورنا كوالدين هو محاولة الحفاظ عليها ومحاولة تشجيع هذه الجذوة الطبيعيّة من خلال رؤية الجيد لدى الأطفال، تشجيع كل خطوة والتعاون معهم في الأماكن التي تتدفّق فيها الدافعيّة بسهولة وبالأخص في الأماكن التي يصعب عليهم إيجادها في داخلهم.
عدي هرپاز مدربة وموجّهة آباء واستشاريّة عائلة متخصصة